واصلت أسعار الذهب الهبوط خلال تداولات الأسبوع الماضي، لتهبط من 2648$ للأوقية، حتى وصلت إلى 2623$ عند التسوية بنهاية تداولات الأسبوع يوم الجمعة.
فلماذا واصلت أسعار الذهب الهبوط بالرغم من خفض الفائدة الأمريكية؟
حتى الآن لا يمكن اعتبار هبوط أسعار الذهب تغيرا في الاتجاه العام الصاعد للأسعار.
فمازالت الأسعار تحلق عند مستويات تاريخية، بعدما ارتفعت بداية العام 2024 من 2062$، ليتم تداولها الآن عند مستويات أعلى من 2600$، تحديدا عند 2620 دولارا، السعر المسجل الآن للأوقية.
وهي زيادة تقترب من 560 دولارا، مما يوضح ارتفاع الذهب بأكثر من 27% خلال العام الحالي.
لكن اللافت أن الذهب هبط من مستويات تقترب من 2800 دولارا للأونصة، ليخسر الزخم الصعودي حوالي 270 دولارا خلال رحلة الصعود المثيرة للذهب في 2024،و التي تجاوزت أرباحها عتبة الـ 830 دولارا.
أي أن الذهب خسر حوالي 32% من حجم المكاسب التي حققها خلال العام، لكن الرصيد الختامي مازال إيجابيا كما أوضحت، وبحجم عائد يفوق الـ27%.
هل كان للصراع بين ترامب ورئيس الفيدرالي أي تاثير على أسعار الذهب؟
تزخر الولايات المتحدة بالكثير من العجائب.
وعلى رأس تلك العجائب هو ما يثار حول وجود خلاف بين رئيس الفيدرالي والرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب.
وهذا أمر لا ينطلي على المتابع الحذق.
فرئيس الولايات المتحدة الأمريكية وفقا للدستور الأمريكي، ملزم باتباع القانون الصادر من الكونجرس بشأن تنظيم عمل نظام الاحتياطي الفيدرالي، والذي لم يشذ عنه ابدا أي رئيس أمريكي منذ إصداره مطلع القرن الماضي، حتى الرؤساء الذين حاولوا انتقاد الفيدرالي نالهم ما يستحقون من لوم، وبعضهم اختفى تماما من الساحة السياسية، وبعضهم للأبد!
فليس من سلطة رئيس الولايات المتحدة اختيار أو تعيين أو إقالة رئيس نظام الاحتياطي الفيدرالي، فهو مخول بالتصديق على اختيارات مجلس الاحتياطي للرئيس الجديد للنظام.
نعم قد يتم ذلك ببعض المشاورات مع الرئيس حول الشخصية المرشحة، لكن القرار النهائي في الاختيار يعود لمجلس الاحتياطي وليس لرئيس الولايات المتحدة.
وهذا نصا ما رد به جيروم باول عندما سئل في معرض المؤتمر الصحفي للجنة الفيدرالي للسوق المفتوحة عقب قرار خفض الفائدة الماضي: “هل سترحلون إذا طلب منكم الرئيس ذلك؟”.
فرد قائلا: لا، أنا مستمر في عملي حتى نهاية فترتي!
وهذا أمر يعلمه ترامب جيدا!
إذن لماذا هذا الصخب حول موضوع مستهلك؟
هذا السؤال يوجه للنخبة التي تدير وول ستريت، والتي تتسم بعلاقات حميمة مع كل من الفيدرالي، والرئيس المنتخب، بل وكل أعضاء المجلسين بأمريكا.
فأمريكا عمليا تقع تحت سيطرة النخبة المالية التي تدير حاليا كامل المشهد الأمريكي، الداخلي والخارجي، وتصنع الأحداث التي من شأنها أن تحرك الأسواق لتصنع المزيد من الأرياح، وضم المزيد من الأصول للمحافظ التريليونية المتضخمة بالأساس.
فبعد تصريحات ترامب بشأن البتكوين ارتفعت إلى مستويات جاوزت ال100 ألف دولارا، وارتفعت ثروات ماسك، وكل حيتان وول ستريت إلى مستويات غريبة، حتى أصبح التريليون دولار رقما هزيلا في نظر الكثيرين، ولم يعد للمال قيمة من كثرته في المحافظ!
ثم أتى باول ليعلن إغلاق المراكز ونهب أموال القطيع في عمليات بيع مظلية، عندما أعلن أن الفيدرالي لن يعتمد البتكوين ضمن احتياطياته.
فربحت النخبة، وخسر القطيع.
هكذا تدار الأمور حاليا بالولايات المتحدة، ولعل نانسي بيلوسي رئيسة مجلس الشيوخ السابقة مثال فاضح لهذه المهازل.
وهذا هو السبب الحقيقي في تردي الأوضاع الاقتصادية بالولايات المتحدة، وسبب رئيسي في تراجع حصتها بالاقتصاد الدولي، وتفوق الصين المستمر، ووصولها لعرش الصناعة والتجارة.
فازمة امريكا الحالية تكمن في النخبة الحاكمة، التي أصبحت جميعها نخبة مالية خالصة، تتاجر بالسياسة والاقتصاد وبالمواقف!
لهذا لا أرى سببا لتراجع هيكلي واسع لأسعار الذهب مستقبلا، بل إني أرجح استمرار ارتفاع أسعار الذهب، خاصة خلال فترة ترامب المقبلة، ليصنع الذهب قمما جديدة متتالية خلال الرجل العجيب، الذي يملك أغرب أجندة اقتصادية على الإطلاق، تقوم على ابتزاز العالم، لا على ضرورة الإصلاح الداخلي، وهو ما يعني مزيدا من الصدامات، ومزيدا من الصدمات التضخمية، والأزمات.
الخلاصة
تكتسب أسعار الذهب زخمها الصعودي من محركات هيكلية، أهمها الصراع الدولي على شكل النظام العالمي الحالي بمكوناته الرئيسية وعلى رأسها النظام النقدي القائم على هيمنة ورقة الدولار.
ويليها وضع الاقتصاد الأمريكي المتردي، الذي يجعل من الاعتماد على الدولار مجازفة، لا يمكن لأي دولة تحمل تبعاتها مع استمرار فقدان الدولار مكانته الدولية.

محلل المعادن الثمينة، وخبير الأسواق المالية الدولية.
الرئيس السابق لقسم أبحاث السوق في Bullion Egypt.
مع خبرة تزيد عن 25 عاما في تقديم الدعم والتعليم، والاستشارات
المالية، والاستثمار في الأدوات المالية المختلفة، ضمن سجل مهني حافل.
اترك تعليقاً