هل البتكوين أفضل من الذهب، وهل يمكن التحوط بالبتكوين ضد التضخم؟
أسئلة كثيرة تدور حول العملات المشفرة التي أصبحت أمرا واقعا عالميا، بعد ظهورها عقب الأزمة المالية العالمية.

وللإجابة على هذه التساؤلات لابد لنا من الوقوف أولا على وضع النظام النقدي الدولي الذي أدى لظهور ما يسمى بالعملات المشفرة، خاصة البتكوين.

لا شك أبدا أن النظام النقدي الدولي الحالي يمر بأشد الأوقات صعوبة في تاريخه، وذلك عقب الأزمة المالية العالمية في 2008، والتي أظهرت مدى هشاشة نظام الدولار، رغم هيمنته المطلقة، والثقة المفرطة التي كان يتمتع بها، إلا أنه سقط في عدة أيام في أهم اختبارات الكفاءة، وأدى الجشع المفرط للقطاع المالي الأمريكي إلى أكبر مشكلة مالية بالتاريخ الحديث، مع حجم كارثي من الديون، ومستوى غير مسبوق من التخلف، وعدم القدرة على السداد، والسبب واحد، جشع البنوك الأمريكية.

هذه الموجة من الجشع أدت لأكبر موجة تخلف عن السداد، أدت لانفجار فقاعة سوق العقارات، المبنية على الديون والفوائد المركية.

والحقيقة أن البنوك صنعت من بيوت المواطنين بقرة تدر الحليب يوميا، لكنها لم تكتف برهن البقرة من المشتري غير القادر، بل وسمحت لشركات التأمين أن تضمن بقرة غير مضمونة، من مشتر غير قادر، وتم تداول البقرة لأكثر من دائن حتى تكاثرت الديون على صاحب البقرة، الذي لم يكن قادرا على شرائها بالأساس، نظرا لارتفاع تكلفة الدين المترتب على الدفع للمول، البنك!

وكانت النهاية بسيطة جدا…
أعلن صاحب البقرة، البيت طبعا، أنه لا يستطيع الإكمال في اللعبة، فهو لا يستطيع سداد كل تلك الأموال المتراكمة عليه.

الحقيقة أن البنوك استفادت جدا، وراكمت أرباحا خيالية من اللعبة.

لكن شركات التأمين خسرت كثيرا، مع انهيار اسعار المنازل والبيع بأسعار لا تغطى تكلفة التأمين.

لكن شركات التأمين أيضا ربحت كثيرا من المواطنين، لكنها في الحقيقة، هي والبنوك مملوكة لنفس النخبة التي أصبحت تسيطر على أكثر من 90% من ثروات البلاد الأمريكية كاملة، ولذلك لم يسمحوا لنفسهم، ولو لمرة واحدة تحمل بعض الخسائر في قطاع واحد، مع تربحهم في قطاعات أخرى، ولا سمحوا للبنوك التي انكشفت بأن تعيد جدولة ديونها، او ينقذونها من أموالهم، أو يتركونها تخسر بكل بساطة، باعتبارها مشروع خاسر وانتهى!

بل إنهم لجأوا لتحميل الدولة الأمريكية، والأمة كلها تبعات جشعهم الكبير، وضغطوا باتجاه تحميل الدولة تكلفة الانهيار، الذي تسببوا هم فيه بالأساس، وبدأت مؤسساتهم الخاصة في التحرك بهذا الاتجاه، والضغط لتنفيذ برامج إنقاذ مالي غير مسبوقة، في الحجم، أو التأثير السلبي الذي يعرفه أصغر طالب في الاقتصاد.
لكنهم ضغطوا، واستماتوا حتى نفذوا ما يريدون.

وبدأ بن شالوم برنانكه خطة الإنقاذ الحكومية للشركات والبنوك الخاصة، من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، وهذا أمر جد عجيب.
وكانت الحجة عنوانا براقا: “إنقاذ الاقتصاد الأمريكي”.
رغم أن إنقاذ الاقتصاد كان يستدعي حقيقة التخلص من هؤلاء المرابين الكبار، ونخبة المقامرين، وتطهير الاقتصاد الأمريكي منهم تماما، وإعادة إنعاش الصناعة الحقيقية، والإنتاج الحقيقي، بدلا من إنعاش وول ستريت، ونفخ جيوب الجالسين على الطاولة!

لكن الخطة بدأت وانطلقت معها الوعود الخادعة، بإنعاش الاقتصاد، لكن لم يسأل أي أحد، عن أي اقتصاد كان يتحدث هؤلاء الناس؟
ولا هم كانوا يرغبون بهذا السؤال، لأنهم حقيقة ركزوا على الطاولة وأصحابها، وليس على المزرعة أو المصنع.

واجتاحت العالم موجة تضخم عاتية، لم تنته آثارها حتى اليوم، وتضخمت أسعار الأصول بشكل مرعب، وهو ما يوضح حقيقة الورقة الخضراء، وأنها بدأت في الانهيار بشكل دراماتيكي، ووصلت قيمتها المزعومة في التهاوي بوتيرة سريعة جدا، ووصلت القدرة الشرائية للدولار إلى ادنى مستوياتها على الإطلاق، لتصل قدرة الورقة الحالية من الدولار إلى أقل من 3% من قيمتها وقت إطلاقها منذ حوالي قرن.

أي أن الدولار فقد ما يقارب 100% من قيمته، اي أن قيمة الورقة عمليا صفر، بدون الدخول في تفاصيل دقيقة.

وهو ما يعكسه حجم الدين الأمريكي الغريب، فمبلبغ 36 تريليون دولار لا تستطيع الولايات المتحدة سداد ولا بعد قرن، لقد انهار الدولار في الحقيقة.

ومن هنا بدأ التفكير في بديل للدولار، بديل للورقة التي فقدت قيمتها، قيمتها التي كانت تستند إلى قوة الاقتصاد الأمريكي، الذي أصبح وضعه مزريا، وتراجع من حصة تزيد عن 50% قبل عقدين فقط، لتصل اليوم إلى أقل من 15%.

وهو ما زعزع الثقة بالدولار، وأفقد الكثيرين الأمل في قدرته على الانتعاش، هذا بعيدا مضاربات وول ستريت، وأسواق الصرف الدولية التي يعلم الجميع كيف تدار، وتاثير أسواق المشتقات على الأسعار، هذا فضلا عن أن جميع العملات الورقية الحالية هي مجرد توابع للدولار، وجزء من النظام الورقي الدولاري، وانهيار الدولار هو انهيار لها بالتبيعة، والغريب أنها تفقد من قدرتها الشرائية أكثر مما يفقد الدولار نفسه، وهذا طبيعي، نظرا لطبيعة العلاقة بين السيد والعبد!

ومن هنا نشأت فكرة العملات المشفرة، وكانت البتكوين، أو كان البتكوين على اعتبار ذكوريته أو تانيثه، وانطلقت الفكرة، ثم انتشرت، ضمن المسار الذي تعرفونه جميعا، وكانت الفكرة تتمحور حول إيجاد نظام نقدي غير مركزي، لا يخضع للتقنين الحكومي، ولا للهيمنة أو السيطرة الرسمية، خاصة النظام النقدي الدولي الذي أنشئت بالأساس لتكون بديلا عنه، هكذا كما كان يشاع.

لكن ما الذي حدث؟

لم تترك النخبة أي شئ إلا أفسدته.

فتحول البتكوين من ملاذ للهاربين من جحيم الدولار، ومساوئ نظامه، إلى أداة مضاربية بيد النخبة التي صنعت من المراهنات عليه تريليونات من الدولارات، أضافتها لخزائنها المملوءة بالدولار!

هناك بعض التقديرات والدراسات التي تحاول تقريب عدد المستثمرين، أو الحائزين للبتكوين:

  • تشير بعض التقديرات إلى أن عدد مستخدمي العملات المشفرة بشكل عام، بما في ذلك البيتكوين، يتجاوز 425 مليون شخص حول العالم (كما ورد في أحد نتائج البحث التي ظهرت لي).
  • كما تشير بعض الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من البيتكوين مُركّزة في أيدي عدد قليل من المُلاك الكبار، المعروفين باسم “حيتان البيتكوين”. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أن عدد مالكي البيتكوين قليل جدًا، بل يشير إلى تفاوت توزيع الثروة الرقمية.
  • يُلاحظ أن توزيع البيتكوين غير متكافئ، حيث يمتلك عدد قليل من الأفراد والكيانات نسبة كبيرة من المعروض. هذا ما يُعرف بـ “حيتان البيتكوين”. هذا التوزيع يُثير بعض المخاوف بشأن مركزية السوق وإمكانية تلاعب هذه الكيانات الكبيرة بالأسعار.
  • زيادة المشاركة المؤسسية، حبث يشهد سوق البيتكوين زيادة في مشاركة المؤسسات المالية والشركات الكبيرة، مثل صناديق الاستثمار وشركات إدارة الأصول. هذه المشاركة تُضفي شرعية على البيتكوين كأصل استثماري وتساهم في زيادة تبنيه على نطاق أوسع.
  • يُمكن أن يُؤثر عدد مالكي البيتكوين، وتوزيع هذه الملكية، على سعر البيتكوين بشكل كبير. فزيادة الطلب من قبل عدد كبير من المستخدمين يُمكن أن يُؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بينما يُمكن أن يُؤدي بيع كميات كبيرة من البيتكوين من قبل “الحيتان” إلى انخفاضها.

وهذه أمور رفعت الحد الأدنى للمخاطر التي تحيط بالبتكوين.
فاالاستثمار في البيتكوين، كأي استثمار آخر، ينطوي على مخاطر متعددة يجب على المستثمرين فهمها جيدًا قبل اتخاذ أي قرار استثماري.

إليك أهم مخاطر الاستثمار في البتكوين:

1. تقلبات الأسعار الشديدة:

يُعرف البيتكوين بتقلبات أسعاره الحادة والمفاجئة.
قد يشهد ارتفاعات كبيرة في فترة قصيرة، ولكنه أيضًا مُعرض لانخفاضات حادة بنفس السرعة.
هذا التقلب يجعل الاستثمار فيه محفوفًا بالمخاطر، خاصةً للمستثمرين الذين لا يتحملون خسائر كبيرة.
هذا التقلب ناتج عن عدة عوامل، منها المضاربات، والأخبار المتداولة، والتغيرات التنظيمية، والمشاعر العامة تجاه السوق.

2. المخاطر الأمنية والاختراقات:

بما أن البيتكوين يُخزن في محافظ رقمية، فإنه مُعرض لخطر السرقة والاختراق.
قد يتعرض المستخدمون لعمليات احتيال أو سرقة لمحافظهم إذا لم يتخذوا الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية مفاتيحهم الخاصة.
كما أن منصات تداول العملات الرقمية نفسها قد تكون مُعرضة للاختراق، مما يُعرض أموال المستخدمين للخطر.

3. المخاطر التنظيمية والقانونية:

لا يزال الوضع التنظيمي للبيتكوين غير واضح في العديد من الدول.
قد تُفرض قوانين جديدة تُقيد أو تُحظر تداول البيتكوين في بعض الدول، مما يُؤثر على قيمته ويُعرض المستثمرين لمخاطر قانونية.
عدم وجود إطار تنظيمي واضح يُزيد من احتمالية استخدام البيتكوين في أنشطة غير قانونية، مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مما يُؤثر سلبًا على سمعته.

4. مخاطر الاحتيال والنصب:

يُعتبر سوق العملات الرقمية بيئة خصبة لعمليات الاحتيال والنصب، مثل مشاريع العملات الوهمية وعمليات التصيد الاحتيالي. يجب على المستثمرين توخي الحذر الشديد والتحقق من مصداقية أي مشروع قبل الاستثمار فيه.

5. مخاطر السيولة:

على الرغم من أن سوق البيتكوين أصبح أكثر سيولة من السابق، إلا أنه لا يزال مُعرضًا لمخاطر السيولة في بعض الأوقات، خاصةً في أوقات التقلبات الشديدة.
قد يجد المستثمرون صعوبة في بيع البيتكوين بسرعة بالأسعار التي يرغبون بها.

6. عدم وجود دعم مركزي:

لا يُصدر البيتكوين عن أي بنك مركزي أو حكومة، ولا يحظى بدعم أي جهة رسمية.
هذا يعني أنه لا يوجد ملاذ أخير للمستثمرين في حالة حدوث أزمة أو انهيار في السوق.

7. مخاطر إدمان التداول:

قد يُؤدي التقلب الشديد في أسعار البيتكوين إلى إدمان بعض الأشخاص على تداوله بشكل مُفرط، مما يُؤثر سلبًا على حياتهم الشخصية والمالية.

 

ننتقل الان للاستثمار في الذهب

يحظى الذهب بشعبية كبيرة عبر التاريخ، حيث يعتبر الذهب أشهر ملاذ آمن في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي.

إليك أهم مزايا الاستثمار في الذهب:

1. الحفاظ على القيمة عبر الزمن:

يُعتبر الذهب مخزنًا تقليديًا للقيمة عبر التاريخ، حيث يحافظ على قوته الشرائية نسبيًا على المدى الطويل. على عكس العملات الورقية التي قد تفقد قيمتها بسبب التضخم، يحافظ الذهب على قيمته أو يزيدها مع مرور الوقت.
خلال فترات التضخم وارتفاع الأسعار، يميل سعر الذهب إلى الارتفاع، مما يحمي المستثمرين من تآكل قيمة مدخراتهم.

2. ملاذ آمن في أوقات الأزمات:

في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، والأزمات المالية، والحروب، والكوارث الطبيعية، يلجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن.
يزداد الطلب على الذهب في هذه الأوقات، مما يُؤدي إلى ارتفاع سعره.
يُعتبر الذهب أصلًا حقيقيًا ملموسًا، بعكس الأصول الورقية أو الرقمية التي قد تتأثر بشكل كبير بالأزمات.

3. تنويع المحفظة الاستثمارية:

يُساعد الاستثمار في الذهب على تنويع المحفظة الاستثمارية وتقليل المخاطر الإجمالية.
يُمكن أن يُعوّض الذهب عن الخسائر في الأصول الأخرى، مثل الأسهم والسندات، خلال فترات الركود الاقتصادي.
يُقلل التنويع من الاعتماد على أصل واحد ويُحسن من استقرار المحفظة على المدى الطويل.

4. سيولة عالية:

يُعتبر الذهب أصلًا عالي السيولة، حيث يُمكن بيعه بسهولة في أي مكان في العالم وتحويله إلى نقد.
توجد أسواق عالمية نشطة لتداول الذهب، مما يُسهل عملية البيع والشراء.
هناك طرق متنوعة للاستثمار في الذهب، مثل شراء السبائك والعملات الذهبية، أو صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب (ETFs)، أو عقود الخيارات والفيوتشرز، مما يُوفر مرونة للمستثمرين.

5. التحوط ضد التضخم:

يُعتبر الذهب وسيلة فعالة للتحوط ضد التضخم. عادة ما يرتفع سعر الذهب مع ارتفاع معدلات التضخم، مما يحافظ على القوة الشرائية للمستثمرين.
عندما تفقد العملات الورقية قيمتها بسبب التضخم، يظل الذهب محافظًا على قيمته الحقيقية.

6. لا يرتبط بأداء اقتصاد دولة معينة:

على عكس الأسهم والسندات التي تتأثر بأداء اقتصاد دولة معينة، يُعتبر الذهب أصلًا عالميًا لا يرتبط بشكل مباشر بأداء اقتصاد دولة واحدة.
هذا يجعله استثمارًا أكثر استقرارًا في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية.

أهم طرق الاستثمار في الذهب:

شراء السبائك والعملات الذهبية:

يُعتبر شراء الذهب المادي من أكثر الطرق التقليدية للاستثمار فيه.

صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب (ETFs):

تُتيح هذه الصناديق الاستثمار في الذهب دون الحاجة إلى امتلاكه بشكل مادي.

عقود الخيارات والفيوتشرز:

تُعتبر هذه الأدوات أكثر تعقيدًا وتُناسب المستثمرين ذوي الخبرة.

شراء أسهم شركات تعدين الذهب:

يُمكن الاستثمار في شركات تعدين الذهب المدرجة في البورصة.

عيوب الاستثمار في الذهب:

لا يُدر دخلًا دوريًا:

على عكس الأسهم التي تُوزع أرباحًا، لا يُدر الذهب دخلًا دوريًا للمستثمرين.

تكاليف التخزين والتأمين:

قد تتطلب حيازة الذهب المادي تكاليف إضافية للتخزين والتأمين.

تقلب الأسعار على المدى القصير:

على الرغم من أن الذهب يحافظ على قيمته على المدى الطويل، إلا أنه قد يشهد تقلبات في الأسعار على المدى القصير.

بشكل عام، يُعتبر الاستثمار في الذهب خيارًا جيدًا للمستثمرين الذين يبحثون عن ملاذ آمن لحماية مدخراتهم من التضخم وتقليل مخاطر محفظتهم الاستثمارية.

 

من هذه المقارنة أعتقد أننا قد وقفنا على الحقيقة، وربما قد نكون وصلنا للقرار السليم في مسألة التفضيل بين البتكوين والذهب!

خالص تحياتي للمؤمنين في الذهب!


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *